12/15/2009

1/4 Gram


اجتمعنا كلنا حول المائدة … دقات الساعة تعلن السابعة, رامى يلف السجاير, احمد كعادته يقرأ الصحف علاء شغله الشاغل الاطمئنان على زجاجات الخمور والبيرة المثلجة, حسين لا يتوقف عن الحديث عن الكرة, وصلاح يفتح الكوتشينة, وبهاء يصل … ويسبقه قدر هائل من الضجيج, و بلا تحية أو سلام دخل مباشرة فى الحديث قائلا

بهاء:اسمعوا يارجالة … رأس السنة دى مش خمرة ولا حشيش .. مفاجأة .. الجديد .. البريمو .. سحر يا اكسلانس .. انا معايا هيروين بودرة ربع جرام
رامى:بودره؟! بتعمل ايه البودرة دى؟؟
صلاح: ويعنى هيعمل ايه الربع جرام دا يا بونو؟
بهاء: إنت مستهيف الربع جرام ... دلوقت تشوفوا الربع جرام دا هيعمل إيه


رواية "ربع جرام" لمؤلفها "عصام يوسف" ليست رواية عادية، فقد حققت نجاحا لافتا على مستوى المبيعات رغم سعرها المرتفع. وهي أيضا ليست مجرد أحداث خيالية بل هي قصة حقيقية تقريبا وأبطالها لا يزالون على قيد الحياة وإن كان المؤلف حريصا على إخفاء شخصياتهم حرصا على خصوصياتهم بالطبع

هي ليست رواية فحسب, و لكنها رسالة إلي كل مدمن, إلي كل أب و أم. أخ و أخت, صديق و صديقة, إلي كل طبيب و معلم, إلي كل قاض و محام...إلي شباب مصر و العرب بصفة خاصة, إلي شباب العالم بصفة عامة

ومن يطالع "ربع جرام" سيقف من دون شك علي عتبات عمل أدبي من نوع مغاير تماماً، إنها يوميات وحكايات متشابكة عن عالم إدمان المخدرات في أوساط الشباب المصري، ولعل أول ما يصدم القارئ أن هذا العمل مكتوب باللغة الدارجة لتجار المخدرات وزبائنهم، فكل من يقرؤها ربما يشعر بأنه وجد نفسه أو صديقه أو جاره بين السطور بخاصة لو كان ينتمي إلي جيل ما تحت الثلاثين سنة


الرواية حقا ليست رواية عادية..و لا أخفيكم سرا أنني تأثرت كثيرا.. وجدتني في لحظات أبتسم و أضحك و تعلو الضحكات...و في أحيان أخري وجدتني أبكي و أبكي و كأنني أتعرض لنفس المأساة التي يتعرض لها بطل الرواية..بكيت كثيرا من الفرحة في آخر أجزاء الرواية..تعاطفت كثيرا مع "مريم" التي أرتبط بها البطل و التي ضحت بكل شئ من أجله

الرواية تتحدث عن مجموعة من الأصدقاء و ماذا فعل بهم "ربع جرام" من الهيروين...يرويها بطل الرواية بنفسه

حقا الرواية تستحق القراءة..بل من رأيي يجب أن توجد في المكتبات العامة..في كل مكتبة منزل بل و كل مكتبة مدرسة أيضا..فهي لا تروي قصة هذه المجموعة من الأصدقاء فحسب, بل أنها تروي قصة حياة مجتمع بأكمله..مجتمع أصبح من الضروري أن يواجه نفسه بحقيقتها..بل و يعترف أننا حقا نعيش كارثة حقيقية تسمي المخدرات

12/05/2009

الطير المسافر


:كتبها شريف أشرف فطين

عندما غادرت مطار إستوكهولم بالسويد ، لم أكن باكيا على ما فقدت من سنوات داخل هذا البلد ، ولا على ما فقدت منها في بلدان أخرى ، غالبتني الذكريات ، بالطبع لم أكن أعرف عندما خطت قدمي أولى خطواتها في رحلة الغربة ، أن هذه الخطوات ستنتهي بي و أنا في هذه الحالة من الشوق و الحنين إلى بلدي ، فعند مغادرتي مطار القاهرة لأول مرة مسافرا إلى أوروبا ، كانت قدمي لا تكاد تلمس أرض المطار الباردة ، كنت طائرا ، قبل أن أطير في أول صندوق حديدي أركبه في أولى رحلاتي إلى عالم النور كما كنت أعتقد وقتها ، سنوات وسنوات ، ورحلات و مطارات و لغات عديدة تكلمتها وسمعتها و ثقافات كثيرة عايشتها ، عرفني الناس هناك ، وعرفتهم ، حققت صداقات كثيرة ، و عداوات أكثر، و أخيرا ها أنا عائدا غير آسف على ما فات ، يغمرني حنين جارف إلى حضن وطني ، الذي تركته وأنا غير عابيء به ، أو بمن فيه ، هذا الوطن الذي أعود إليه الآن لأرتمي على أرضه وأنام ملأ جفناي .

كانت الرحلة الأولى إلى مطار إستوكهولم بالسويد ، البرد و المطر و الجليد في كل مكان ، كل شيء نظيف أكثر ، ووثير أكثر ، و هاديء أكثر ، أتذكر كل شيء بالتفصيل ، محطة " التي سينترالين " في وسط إستوكهولم ، تجمعات الشباب في شارع " كونجز جاتن " الرصيف الرطب لمترو الأنفاق " التونيل بانا " قطار " البيندل توج " تفاصيل الحياة في ستوكهولم القديمة في أحياء " هيتوريت " و " جاملاصطان " مبنى وزارة الهجرة " الفاندرا فاركت " حيث تقبع آحدى عشر طلب هجرة عليها إسمي وصورتي وختم موافقة مع شعار السماح لي بالإقامة للدراسة هناك ، و أخيراً جسر "سلوسن" القريب من السفارة المصرية ، هذا الجسر الذي كنت أقف مستندا إلى حواجزه المعدنية لساعات ، أماكن و أماكن عشت فيها و عاشرتها أيام وليالي ، حتى تصورت أني أصبحت جزء منها و أنها أصبحت جزء مني ، كيف تلاشت كلها و أنزوت في جانب عقلي المظلم ، لتتحول إلى مجرد ذكريات ، ستذوب تفاصيلها يوما بعد يوم ، حتى تصير أشباح صور و شخوص ، ربما أجد صعوبة في تذكرها مستقبلا ، كيف سمح طعم " الشيد بولاّر " الشهي لنفسه أن ينهزم أمام طعم الفول المدمس و الطعمية السخنة ، كيف تمكن هواء القاهرة الخانق أن يكون منعشا أكثر من نسائم ستوكهولم النقية ، لا أعلم ، فقط أعلم أنني عائد إلى وطني ، محباً لكل مافيه ، مشتاقاً لكل من فيه .

أصدقاء كثيرين كانوا معي هنا في إستوكهولم وودعتهم في هذا المطار وهم يغادرون قبلي ، بعضهم بسنوات وبعضهم بشهور ، وأحدهم بأيام ، جميعهم سبقوني عائدين إلى مصر ، وأحدهم إلى غزة و آخر إلى الإمارات ، والآن جاء دوري لأغادر ، مقرراً عدم العودة إلاّ زائراً .

تذكرة الطائرة و كارت الإقلاع " البوردينج باس " وجواز سفري في يدي ، وحقيبتي الصغيرة الهاند باج متدليه من كتفي ، و على ذراعي يرقد جاكيت بني اللون ، هو آخر ما قمت بشرائه من السويد قبل سفري بيومين ، الآن أنا أركد متفادياً المارة لكي ألحق بطائرة مصر للطيران ، موعد الإقلاع قد حان ، وجدتني أركد و أركد رغم عدم تأخري على الموعد ، فقط أريد أن أصعد على الطائرة المصرية ، لأشعر أنني أصبحت في مصر ، لأرى ضحكة مضيفة سمراء طيبة ، وعندما وصلت إلى سلم الطائرة ، أذ بي أجد الدموع تفر من عيني, وإذا بي أجد لساني يردد دون إرادة مني " وبعتنا مع الطير المسافر جواب و عتاب و تراب من أرض أجدادي و زهرة من الوادي يمكن يفتكر اللي هاجر أنه له في بلاده أحباب".

مطار إستوكهولم – صالة الإنتظار – 9 نوفمبر 2009

12/03/2009

الطريق إلى فورت هود...ومنها أيضا




نصحو وننام على الوجه المبتسم لصورة الميجور نضال مالك الذي قتل 12 أو 13 من زملائه وأصاب نفرا آخرين في فورت هود التي هي أكبر قاعدة عسكرية على الاطلاق

وكالعادة سارع أصحاب الوجوه السمحة المتوسطة إلى نفي التهمة عن الاسلام وكيف انه دين تسامح وعدل ....الخ هذا الكلام الذي يقال في مثل هذه المناسبات ولا يصدقه احد في مثل هذه المناسبات بالذات رغم أنه حق
وكالعادة أيضا تشعرني هذه الكلمات بطعم مرير في حلقي. لا أكره كلمة الحق إلا في هذا الموطن : الدفاع عن النفس

لماذا ندافع عن النفس اصلا ؟
ربما ألتمس بعض العذر للمسلمين في أمريكا مراعاة لتخوفهم من تأثير حادث كهذا عليهم وهو وارد طبعا! ولكن أي عذر للباقين؟ أي عذر لشخص يتخفى خلف اسم مستعار على النت؟

لماذا نفترض -قبل الباقين- ان اي تصرف يقوم به مسلم محسوب على الاسلام؟ هذا ليس عدلا. وتعميم أي تصرف -خيرا كان او شرا على خمس سكان الأرض حماقة. لماذا نتكبد عناء الرد على الحمقى المتغافلين؟ نتصرف دائما باعتبار أننا في وضع المشتبه به الذي يحتاج إلى تبرير مواقفه والدفاع عن نفسه

مع أننا طول الوقت تقريبا مجني عليه. والجاني هو ذاته الذي يتملقه أصحاب الوجوه المذكورة

الميجور نضال دخل الجيش الأمريكي مختارا. وعمل فيه طبيبا نفسيا لسنوات تعرض خلالها لمضايقات عديدة بسبب أصوله العربية والاسلامية وشكى مرارا دون جدوى (وفقا لما يقال الآن) هذا هو الخطأ الأول الذي ارتكبه الجيش الأمريكي في هذه القضية

الخطأ الثاني : أن يقوم هذا الطبيب بمتابعة الحالة النفسية للجنود العائدين من العراق وأفغانستان. كان كل منهم يذهب إلى الميجور نضال ليفرغ عنده اقسى وأسوأ ما رأى. ومهمته ان يجعل المريض ينسى بينما هو لا ينسى. وبطبيعة الحال فالجندي لن يحتاج إلى طبيب نفسي إلا لو كان يعاني بشدة. وهذه المعاناة كلها تنصب على رأس الطبيب
كان من المفترض ان تتم متابعته للتأكد من انه لا يتأثر بما يسمع أكثر من اي طبيب آخر في مكانه. تقول بعض الروايات انه لم يكن ثوريا يرغب في الثأر ولكنه كان ببساطة خائفا من رؤية الأهوال التي طالما سمع عنها رأي العين! وتقول روايات اخرى أنه كان يغضب لقومه
أذكر ان جيوش الحلفاء أيام الحرب العالمية الثانية اضطرت لفحص نفسية الجنود خوفا من تأثرهم بما يسمعونه عن هتلر والألمان خوفا أو إعجابا

الخطأ الثالث : تقرر إرساله إلى الميدان. ألم يكن هذا القرار بحاجة إلى مزيد من الدراسة؟ جندي يتعرض لمضايقات بسبب اصوله ويريد ترك الجيش من اجلها ترسله ليقاتل حيث أصوله هذه وضدها أيضا! وتتوقع منه الولاء والانضباط؟

الخطأ الرابع : مع كل هذه الخلفيات يرفض طلبه بإعفائه من هذه المهمة

عندما تحاصر شخصا ما بكل هذه الضغوط ينبغي ان تتوقع انفجارا ما في أي لحظة خاصة وأنت ترفع الضغط كل حين
قرأت قريبا -لا أذكر أين ولا المناسبة- أنه من الحكمة العسكرية ان تترك للطرف الآخر بابا خلفيا يفر منه إن اراد .أما إصرارك على محاصرته ومواجهته حتى اللحظة الأخيرة فلا يعني سوى المزيد من الخسائر لديه ولديك أيضا


لقد راهن الأمريكيون أكثر مما ينبغي على انصهار الجميع في البوتقة الأمريكية. غير ان لكل شيء حدودا. حتى احترافية الأداء لها حدود! من لا يرغب حقا- أو لم يعد يرغب- في الانصهار إلى هذا الحد لن ينصهر مهما فعلت. والرجل قد قالها منذ سنوات

ماداموا يتجاهلون الخلفيات كل تلك السنوات فما المانع من أن يبقى الحال هكذا؟
ويقتلني غيظا بعد كل هذا أن أجد منا من يسارع للوقوف في قفص الاتهام والبدء بالمرافعة التي لا يبالي بها أحد
الجندي القتيل كان في طريقه -لو ذهب - هو ورفاقه ليجثم على أنفاس دولة كانت حرةليستبيح أرضها ومالها ودمائه ونسائها يقترف ما يشاء ويترك ما يشاء والقاتل كذلك لو أراد! هو لم يرد هذا شأنه وحسابه على الله. لماذا نحزن نحن؟
في الوقت الذي يقول فيه ممثلو نفس الدولة عن تقرير جولدستون الذي سوى بين القاتل والقتيل في غزة أنه غير متوازن لأنه لم يفضل القاتل على القتيل

وحتى إن كان الميجور نضال قد فعل ما فعل حمية للدين وباسم الدين ....ما المشكلة؟؟؟؟؟؟؟ نحن نقتل كل يوم حمية للنظام العالمي الجديد دون مشكلة عند اي طرف حتى نحن
مسألة كون هذا خطأ من ناحية الشرع مسألة لا تخص الآخرين في شيء. لم يسمح لنا ان نفترض أن القيم الأمريكية يمثلها عقارب مستنقع (أبو غريب)! ولم يخطر ببال أحد ان يحاكم العالم ال(متحضر) على هذه الجريمة